فصل: تفسير الآيات (2- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (2- 5):

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
{ألم يجعل كيدهم} يعني مكرهم، وسعيهم في تخريب الكعبة {في تضليل} أي تضييع وخسار، وإبطال ما أرادوا أضل كيدهم، فلم يصلوا إلى ما أرادوا من تخريب البيت، بل رجع كيدهم عليهم، فخربت كنيستهم، واحترقت، وهلكوا وهو قوله تعالى: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل} يعني طيراً كثيرة متفرقة يتبع بعضها بعضاً، وقيل أبابيل أقاطيع كالإبل المؤبلة، وقيل أبابيل جماعات في تفرقة قيل لا واحد لها من لفظها، وقيل واحدها أبالة، وقيل أبيل، وقيل أبول مثل عجول قال ابن عباس: كانت طيراً لها خراطيم، كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب، وقيل رؤوس كرؤوس السباع، وقيل لها أنياب كأنياب السباع، وقيل طير خضر لها مناقير صفر، وقيل طير سود جاءت من قبل البحر فوجاً فوجاً مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه، وحجر في منقاره لا تصيب شيئاً إلا هشمته، ووجه الجمع بين هذه الأقاويل في اختلاف أجناس هذه الطير أنه كانت فيها هذه الصفات كلها فبعضها على ما حكاه ابن عباس، وبعضها على ما حكاه غيره، فأخبر كل واحد بما بلغه من صفاتها، والله أعلم.
قوله عزّ وجلّ: {ترميهم بحجارة} قال ابن مسعود: صاحت الطّير، ورمتهم بالحجارة، وبعث الله ريحاً، فضربت بالحجارة، فزادتها شدة، فما وقع حجر منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره {من سجيل} قيل السّجيل اسم علم للدّيوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، واشتقاقه من الإسجال، وهو الإرسال، والمعنى ترميهم بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون بما كتب الله في ذلك الكتاب، وقيل معناه من طين مطبوخ كما يطبخ الأجر، وقيل سجيل حجر، وطين مختلط، وأصله سنك، وكل فارسي معرب، وقيل سجيل الشّديد. {فجعلهم كعصف مأكول} يعني كزرع وتبن أكلته الدّواب، ثم راثته، فيبس، وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم، وتفرقها بتفرق أجزاء الرّوث، وقيل العصف ورق الحنطة، وهو التبن، وقيل كالحب إذا أكل، فصار أجوف وقال ابن عباس: هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف، والله تعالى أعلم.

.سورة قريش:

.تفسير الآية رقم (1):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)}
قوله عزّ وجلّ: {لإيلاف قريش} اختلفوا في هذه اللام، فقيل هي متعلقة بما قبلها وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم بما صنع بالحبشة، فقال فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي هلك أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف، ولهذا جعل أبي بن كعب هذه السّورة وسورة الفيل واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه ببسم الله الرحمن الرحيم والذي عليه الجمهور من الصحابة وغيرهم، وهو المشهور أن هذه السّورة منفصلة عن سورة الفيل وأنه لا تعلق بينهما وأجيب عن مذهب أبي بن كعب في جعل هذه السّورة، والسورة التي قبلها سورة واحدة بأن القرآن كالسورة الواحدة يصدق بعضه بعضاً ويبين بعضه معنى بعض وهو معارض أيضاً بإطباق الصّحابة، وغيرهم على الفصل بينهما، وأنهما سورتان فعلى هذا القول اختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله: {لإيلاف}، فقيل هي لام التعجب، أي اعجبوا الإيلاف قريش رحلة الشّتاء والصّيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته، فهو كقوله على وجه التعجب اعجبوا لذلك، وقيل هي متعلقة بما بعدها تقديره، فليعبد وا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، أي ليجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النعمة والإيلاف من ألفت الشيء إلفاً وهو بمعنى الإئتلاف فيكون المعنى لإيلاف قريش هاتين الرحلتين فتتصلا ولا تتقطعا، وقيل هو من ألفت كذا، أي لزمته وألفنيه الله ألزمنيه الله، وقريش هم ولد النضر بن كنانة، فكل من ولده النضر، فهو من قريش، ومن لم يلده النضر، فليس بقرشي.
(م) عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
(م) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الناس تبع لقريش في الخير والشر».
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس تبع لقريش في هذا الشّأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم» عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أراد هوان قريش أهانه الله» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم أذقت أول قريش نكالاً، فأذق آخرهم نوالاً» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.
النكال: العذاب، والمشقة، والشّدة والنّوال: العطاء، والخير، وسموا قريشاً من القرش، والتقريش وهو الجمع، والتكسب، يقال فلان يقرش لعياله، ويقترش لهم، أي يكتسب وذلك لأن قريشاً كانوا قوماً تجاراً وعلى جمع المال، والأفضال حراصاً، وقال أبو ريحانة سأل معاوية عبد الله بن عباس لم سميت قريش قريشاً قال لدابة تكون في البحر هي من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، قال وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم وأنشده شعر الجمحي.

.تفسير الآيات (2- 4):

{إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
وقوله تعالى: {إيلافهم} هو بدل من الأول تفخيماً لأمر الإيلاف، وتذكيراً لعظم المنة فيه. {رحلة الشتاء والصيف} قال ابن عباس كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم، ويعبد وا رب هذا البيت، وقال الأكثرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة: رحلة في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، ورحلة في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً مجدباً لا زرع فيه، ولا ضرع، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يتعرض لهم أحد بسوء، وكانوا يقولون قريش سكان حرم الله وولاة بيته وكانت العرب تكرمهم وتعزهم، وتعظمهم لذلك، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة، أهل الساحل حملوا طعامهم في البحر على السفن إلى مكة وأهل البر حملوا على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة وألفوا بالأبطح فامتار أهل مكة من قريب، وكفاهم الله مؤنة الرحلتين جميعاً وقال ابن عباس: كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني، والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم، وقال الكلبي: كان أول من حمل السمراء يعني القمح إلى الشام، ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر:
قل للّذي طلب السّماحة والنّدى ** هلاّ مررت بآل عبد مناف

هلا مررت بهم تريد قراهم ** منعوك من ضر ومن إكفاف

الرّائشين وليس يوجد رائش ** والقائلين هلم للأضياف

والخالطين غنيهم بفقيرهم ** حتى يكون فقيرهم كالكافي

والقائمين بكل وعد صادق ** والرّاحلين برحلة الإيلاف

عمرو العلا هشيم الثّريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه ** سفر الشتاء ورحلة الأصياف

قوله عزّ وجلّ: {فليعبد وا رب هذا البيت} يعني الكعبة، وذلك أن الإنعام على قسمين أحدهما: دفع ضر، وهو ما ذكره في سورة الفيل، والثاني جلب نفع، وهو ما ذكره في هذه السّورة، ولما دفع الله عنهم الضّر، وجلب لهم النفع، وهما نعمتان عظيمتان أمرهم بالعبودية، وأداء الشكر، وقيل إنه تعالى لما كفاهم أمر الرّحلتين أمرهم أن يشتغلوا بعبادة رب هذا البيت. فإنه هو {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} ومعنى الذي أطعمهم من جوع، أي من بعد جوع بحمل الميرة إليهم من البلاد في البر والبحر، وقيل في معنى الآية أنهم لما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم دعا عليهم، فقال اللّهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فاشتد عليهم القحط، وأصابهم الجوع، والجهد، فقالوا: يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخصبت البلاد، وأخصب أهل مكة بعد القحط، والجهد، فذلك قوله تعالى: {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}، أي بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم أحد في رحلتهم، وقيل آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم الجذام، وقيل آمنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام والله أعلم.

.سورة الماعون:

.تفسير الآية رقم (1):

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)}
قوله عزّ وجلّ: {أرأيت الذي يكذب بالدين} قيل نزل في العاص بن وائل السّهمي، وقيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي، وفي رواية عن ابن عباس أنها في رجل من المنافقين، ومعنى الآية هل عرفت الذي يكذب بيوم الجزاء، والحساب، فإن لم تعرفه.

.تفسير الآيات (2- 7):

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
{فذلك الذي يدع اليتيم} ولفظ أرأيت استفهام، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدّين وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو خطاب لكل واحد، والمعنى أرأيت يا أيها الإنسان أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله، ووضوح بيانه، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم، أي يقهره، ويدفعه عن حقه، والدع الدفع بعنف، وجفوة، والمعنى أنه يدفعه عن حقه، وماله بالظلم، وقيل يترك المواساة له وإن لم تكن المواساة واجبة، وقيل يزجره، ويضربه، ويستخف به، وقرئ يدعو بالتخفيف، أي يدعوه ليستخدمه قهراً واستطالة. {ولا يحض على طعام المسكين} أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء، وهذا غاية البخل، لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام.
قوله تعالى: {فويل للمصلين} يعني المنافقين، ثم نعتهم فقال تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} روى البغوي بسنده عن سعد قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت» وقال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس. ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم لقوله تعالى: {الذين هم يراؤون} وقال تعالى في وصف المنافقين {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس} وقيل ساه عنها لا يبالي صلى أو لم يصل، وقيل لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا، وقيل غافلون عنها ويتهاونون بها، وقيل هم الذين إن صلوا صلوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عليها وقيل هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها، ولا سجودها، وقيل لما قال تعالى عن صلاتهم ساهون بلفظة عن علم أنها في المنافقين، والمؤمن قد يسهو في صلاته والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها، ويكون فارغاً عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو فظهر الفرق بين السّهوين، وقيل السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسياً لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته، وأنها عليه واجبة، ويرجو الثواب على فعلها، ويخاف العقاب على تركها، فقد يحصل له سهو في الصّلاة يعني أن يصير ساهياً في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد، ثم يذهب ذلك الوارد عنه، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن. {الذين هم يراؤون} يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية، والفرق بين المنافق، والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح أما من يظهر النّوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرّياء، فلا بأس بذلك وليس بمراء ثم وصفهم بالبخل.

.سورة الكوثر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
قوله عزّ وجلّ: {إنا أعطيناك الكوثر} نهر في الجنة أعطاه الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وقيل الكوثر القرآن العظيم، وقيل هو النّبوة، والكتاب، والحكمة، وقيل هو كثرة أتباعه، وأمته، وقيل الكوثر الخير الكثير كما فسره ابن عباس.
(خ) عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير أن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وأصل الكوثر فوعل من الكثرة، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر والخطر كوثراً، وقيل الكوثر الفضائل الكثيرة التي فضل بها على جميع الخلق فجميع ما جاء في تفسير الكوثر فقد أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أعطي النبوة، والكتاب، والحكمة، والعلم، والشفاعة، والحوض المورود، والمقام المحمود، وكثرة الأتباع، والإسلام، وإظهاره على الأديان كلها، والنّصر على الأعداء، وكثرة الفتوح في زمنه وبعده إلى يوم القيامة.
وأولى الأقاويل في الكوثر الذي عليه جمهور العلماء، أنه نهر في الجنة كما جاء مبيناً في الحديث.
(ق) عن أنس قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت عليَّ آنفاً سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر}، ثم قال أتدرون ما الكوثر، قلنا الله ورسوله أعلم قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عزّ وجلّ فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة. آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج العبد منهم، فأقول رب إنه من أمتي. فيقول ما تدري ما أحدث بعدك» لفظ مسلم وللبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما عرج بي إلى السّماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طينته مسك أذفر» شك الراوي عن أنس رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكوثر قال ذلك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزور، قال عمر إن هذه لناعمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلتها أنعم منها» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر، والياقوت تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح.
(خ) «عن عامر بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال سألت عائشة عن قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر}، فقالت الكوثر نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه در مجوف آنيته كعدد نجوم السماء».
(ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها لا يظمأ أبداً» زاد في رواية «وزواياه سواء».
(ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمامكم حوضي ما بين جنبيه كما بين جربا وأذرح» قال بعض الرواة هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام، وفي رواية «فيه أباريق كنجوم السّماء من ورده فشرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً».
(ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين ناحيتي وفي رواية لابتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة» وفي رواية «مثل ما بين المدينة وعمان» وفي رواية قال: «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء».
(م) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه، مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل».
(م) عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي، أي حتى يرفض عليهم، فسئل عن عرضه فقال من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما: من ذهب، والآخر من الورق».
(ق) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول أي ربي أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
(ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليردن عليَّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية: «يردن عليَّ ناس من أمتي» الحديث وفي آخره: «فأقول سحقاً لمن بدل بعدي».
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يرد عليَّ يوم القيامة رهطان من أصحابي أو قال من أمتي فيجلون عن الحوض، فأقول رب أصحابي، فيقول إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى» ولمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ترد عليَّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا أيا نبي الله تعرفنا قال نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون على غرّاً محجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون إليّ فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول وهل تدري ما أحدثوا بعدك».
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لأذودن رجالاً عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض».
(م) عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لأذودن عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن إبله قالوا يا رسول الله وتعرفنا؟ قال نعم تردون على غرّاً محجلين من آثار الوضوء ليس لأحد غيركم» عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلاً فقال ما أنتم إلا جزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض، قيل كم كنتم يومئذ قال سبعمائة أو ثمانمائة» أخرجه أبو داود.
فصل في شرح هذه الأحاديث وذكر ما يتعلق بالحوض:
قال الشّيخ محيي الدّين النّووي: قال القاضي عياض أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة، والجماعة لا يتأول، ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل رواه الخلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمر وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وجندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمستورد وأبي ذر وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة، ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصّديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر الصّديق وخولة بنت قيس وغيرهم، قال الشيخ محيي الدّين، ورواه البخاري ومسلم أيضاً من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما في رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمرو وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرة قلت وقد اتفقا على إخراج حديث الحوض وعن جماعة ممن تقدم ذكرهم من الصّحابة على ما سبق ذكره في الأحاديث، وفيه بيان ما اتفقا عليه، وانفرد به كل واحد منهما، وأخرجا أيضاً حديث الحوض عن أسماء بنت أبي بكر الصّديق وذكرها القاضي عياض، فيمن خرج له في غير الصحيحين قال القاضي عياض وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواتراً، وأما صفة الحوض ومقداره فقد قال في رواية: «حوضي مسيرة شهر وفي رواية ما بين جنبيه كما بين جرباء، وأذرح، وفي رواية كما بين أيلة، وصنعاء اليمن، وفي رواية عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، وفي رواية إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن» فهذا الاختلاف في هذه الروايات في قدر الحوض ليس موجباً للاضطراب فيها لأنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعات من الصّحابة سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك على أفهام السامعين لبعد ما بين هذه البلاد المذكورة لأعلى التقدير الموضوع للتحديد بل لإعلام السامعين عظم بعد المسافة وسعة الحوض وليس في ذكر القليل من هذه المسافة منع من الكثير، فإن الكثير ثابت على ظاهره، وصحت الرواية به، والقليل داخل فيه فلا معارضة، ولا منافاة بينهما وكذلك القول في آنية الحوض من أن العدد المذكور في الأحاديث على ظاهره، وأنها أكثر عدداً من نجوم السّماء ولا مانع يمنع من ذلك إذ قد وردت الأحاديث الصّحيحة الثّابتة بذلك وكذلك القول في الواردين إلى الحوض الشّاربين منه، وكثرتهم وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم إلا جزء من مائة ألف جزء ممن يرد الحوض» لم يرد به الحصر بهذا العدد المذكور وإنما ضربه مثلاً لأكثر العدد المعروف للسّامعين ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «من ورد شرب منه» فهذا صريح في أن جميع الواردين يشربون، وإنما يمنع منه الذين يزدادون، ويمنعون الورود لارتدادهم، وتبديلهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك، وفي رواية وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول أي رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونحو هذا من الروايات المذكورة في الأحاديث السابقة، وهذا مما اختلف العلماء في معناه، وفي المراد به من هم، فقيل المراد بهم المنافقون، والمرتدون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنهم إذا حشروا عرفهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيناديهم، فيقال له ليس هؤلاء ممن وعدت بهم إنهم قد بدلوا بعدك، أي لم يكونوا على ما ظهر من إسلامهم، وقيل المراد بهم من أسلموا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا بعده في زمن أبي بكر الصّديق وهم الذين قاتلهم على الردة، وهم أصحاب مسيلمة الكذاب، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يعرفه من إيمانهم في حياته فيقال له قد ارتدوا بعدك، وقيل المراد بهم أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وأصحاب المعاصي، والكبائر الذين ماتوا على التّوحيد، ولم يتوبوا من بدعتهم ومعاصيهم فعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء المطرودين عن الحوض بالنّار بل يجوز أن يزادوا عنه عقوبة لهم ثم يرحمهم الله، فيدخلهم الجنة من غير عذاب، وقال ابن عبد البر كل من أحدث في الدين كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء فهو من المطرودين عن الحوض قال وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، وغمط الحق، والمعلنون بالكبائر فكل هؤلاء يخاف أن يكونوا ممن عنى بهذا الحديث وقوله من شرب منه لم يظمأ أبداً قال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب، والنجاة من النار، ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد، وصار كافراً، وقيل إن جميع المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يعذب الله من شاء من عصاتهم، وقيل إنما يأخذ بيمينه الناجون منهم خاصة، والشرب من الحوض مثله.
شرح غريب ألفاظ الأحاديث:
قوله فيختلج العبد منهم، أي ينتزع ويجذب منهم، قوله ما بين جنبيه كما بين جربا، وأذرح أما جربا فبجيم ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة، ووقع عند بعض رواة البخاري فيها المد والقصر أولى، وهي قرية من الشام، وأما أذرح فبهمزة ثم ذال معجمة ثم راء ثم حاء مهملة، وهي في طرف الشام قريب من الشّوبك، وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم بليدة بالبلقاء من أرض الشّام، وأما أيلياء فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت وفتح اللام مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين دمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين مصر ثمان مراحل وإلى دمشق اثنا عشر مرحلة وهي آخر الحجاز وأول الشّام، وأما صنعاء فهي قاعدة اليمن، وأكبر مدنه، وإنما قيد باليمن في الحديث لأن بدمشق موضعاً يعرف بصنعاء دمشق وقد تقدم الكلام على اختلاف هذه المسافات والجمع بين رواتها قوله يشخب فيه ميزابان هو بفتح الياء المثناة تحت وبالشين والخاء المعجمتين، أي يسيل فيه وفي الحديث الآخر يغت بفتح الياء وبالغين المعجمة وكسرها، وتشديد التاء المثناة فوق، أي يدفق منه ميزابان تدفقاً شديداً متتابعاً قوله إني لبعقر حوضي هو بضم العين المهملة، وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته للشرب، وقيل هو مؤخر الحوض قوله أذود الناس، أي أضرب الناس لأهل اليمن بعصاي حتى يرفض عليهم، معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن، ومعنى يرفض أي يسيل عليهم، وفيه منقبة عظيمة لأهل اليمن قوله أنا فرطكم على الحوض الفرط بفتح الفاء والراء هو الذي يتقدم على الواردين ليصلح لهم الحياض، والدّلاء ونحوها من آلات الاستقاء، والمعنى أنا سابقكم على الحوض كالمهيئ له قوله سحقاً، أي بعداً وفيه دليل لمن قال إنهم أهل الردة إذ لا يقال للمؤمن سحقاً بل يشفع قلت في حديث أنس الأول دليل لمن يقول أن سورة الكوثر مدنية وهو الأظهر لقوله بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءه يعني نام نومة ثم رفع رأسه متبسماً والله أعلم.
قوله تعالى: {فصل لربك وانحر} معناه أن ناساً كانوا يصلون لغير الله تعالى وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي له وينحر له متقرباً إلى ربه بذلك، وقيل معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك، وقيل معناه فصل الصّلاة المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى وقال ابن عباس: {فصل لربك وانحر} أي ضع يدك اليمنى على اليسرى في الصّلاة عند النّحر، وقيل هو رفع اليدين مع التكبير إلى النّحر حكاه ابن الجوزي، ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدّارين وخصصتك بما لم أخص به أحداً غيرك، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل، والخير الكثير، وأعزك، وشرفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم فصل له واشكره على إنعامه عليك، وانحر البدن متقرباً إليه {إن شانئك} يعني عدوك ومبغضك {هو الأبتر} يعني هو الأذل المنقطع دابره نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تتحدث معه فقال ذلك الأبتر يعني به النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة، وقيل إن العاص بن وائل كان إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السّورة وقال ابن عباس: نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر من قومه، فقال أنتم فنزلت فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ونزلت في الذين قالوا إنه أبتر {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي المنقطع من كل خير قولهم في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الصّنبور أرادوا أنه فرد ليس له ولد، فإذا مات انقطع ذكره شبهوه بالنخلة المفردة يدق أسفلها، وتسمى الصنبور، وقيل هي النّخلة التي تخرج في أصل أخرى تغرس، وقيل الصّنابر سعفات تنبت من جذع النّخلة تضربها ودواؤها أن تنقطع تلك الصّنابر منها فأراد كفار مكة أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم بمنزلة الصّنابر تنبت في جذع نخلة فإذا انقلع استراحت النّخلة فكذا محمد إذا مات انقطع ذكره، وقيل الصّنبور الوحيد الضعيف الذي لا ولد له ولا عشيرة ولا ناصر من قريب ولا غريب فأكذبهم اللّه تعالى في ذلك ورد عليهم أشنع رد فقال إن شانئك يا محمد هو الأبتر الضعيف الوحيد، الحقير، وأنت الأعز، الأشرف الأعظم، واللّه أعلم بمراده.